كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الراغب: القِسْط أن يأخذ قِسْطَ غيره، وذلك جَوْرٌ، وأَقْسَطَ غيره، والإقسَاطِ أن يُعْطِيَ قِسْطَ غَيْرِهِ، وذلك إنصاف، ولذلك يقال: قَسَطَ الرَّجُلُ إذَا جَار، وأَقْسَطَ إذَا عدَلَ، قال تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15].
وقال تعالى: {وأقسطوا إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} [الحجرات: 9].
وَحُكِيَ أنَّ الحَجَّاجَ لما أحضر سعيد بن جبير، قال له: ما تقول فيَّ؟ قال: قَاسِطٌ عادِلٌ فأعجب الحاضرون، فقال لهم الحجاج: ويلكم لم تفهموا عنه إنّه جعلني جائرًا كافرًا، ألم تسمعوا قوله تعالى: {وَأَمَّا القاسطون فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15].
المادة من قوله: {قَائِمًا بالقسط} [آل عمران: 18].
قوله: {مَا طَابَ} في ما هذه أوجه:
أحدها: أنها بمعنى الذي وذلك عند من يرى أن ما تكون للعاقل، وهي مسألة مشهورة، وذلك أن ما ومن وهما يتعاقبان، قال تعالى: {والسماء وَمَا بَنَاهَا} [الشمس: 5] وقال: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 3] وقال: {فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ} [النور: 45].
وحكى أبو عمرو بن العلاء: سبحان من سبح الرعد بحمده.
وقال بعضهم: نَزَّلَ الإناث منزلة غير العقلاء كقوله: {إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 6].
قال بعضهم: وَحَسن وقوعها هنا أنها واقعة على النساء، وهن ناقصات العقول. وبعضهم يقول: هي لصفات من يعقل.
وبعضهم يقول: لنوع من يعقل كأنه قيل: النوع الطيب من النساء، وهي عبارات متقاربة. فلذلك لم نعدّها أوجهًا.
الثاني: أنها نَكِرَةٌ موصوفة، أي: انكحوا جنسًا طيبًا أو عددًا طيِّبًا.
الثالث: أنها مصدرية، وذلك المصدر واقع موقع اسم الفاعل، تقديره: فانحكوا الطَّيِّبَ.
وقال أبو حيان: والمصدر مقدر هنا باسم الفاعل، والمعنى فانكحوا النكاح الذي طاب لكم. والأول أظهر.
الرابع: أنها ظرفية تستلزم المصدريَّة، والتقدير: فانحكوا ما طاب مدة يطيب فيها النكاح لكم. إذا تقرر هذا، فإن قلنا: إنها موصولة اسمية أو نكرة موصوفة، أو مصدرية، والمصدرُ واقع اسم الفاعل كانت ما مفعولًا بانكحوا ويكون من النساء فيه وجهان:
أحدهما: أنها لبيان الجنس المبهم في ما عند مَنْ يثبت لها ذلك.
والثاني: أنها تبغيضية، أي: بعض النساء، وتتعلق بمحذوف على أنها حال من ما طاب وإن قلنا: إنها مصدرية ظرفية محضة، ولم يُوقع المصدر موقع اسم فاعل كما قال أبو حيان كان مفعول {فانكحوا} قوله: {من النساء} نحو قولك: أكلت من الرغيفِ، وشربتُ من العسل أي: شيئًا من الرغيف وشيئًا من العسل.
فإن قيل: لِمَ لا يجعل على هذا {مثنى} وما بعدها هو مفعول {فانكحوا} أي: فانكحوا هذا العدد؟ فالجواب أن هذه الألفاظ المعدولة لا تلي العوامل.
وقرأ ابن أبي عبلة {مَنْ طَابَ} وهو يرجحُ كون ما بمعنى الذي للعاقل، وفي مصحف أبي بن كعب بالياء، وهذا ليس بمبني للمفعول؛ لأنه قاصر، وإنما كُتِبَ كذلك دلالة على الإمالة وهي قراءة حمزة.
قوله: {مَثْنَى} منصوب على الحال من {طَابَ} وجعله أبو البَقاء حالًا من {النساء} فأجاز هو وابن عطية أن يكون بدلًا من ما وهذان الوجهان ضعيفان.
أمَّا الأول: فلأنَّ الْمُحْدَّث عنه إنما هو الموصول وأتى بقوله: {النساء} كالتبيين.
وأما الثاني: فلأنَّ البدل على نِيَّةِ تكرار العامل، وقد تقدم أن هذه الألفاظ لا تباشر العوامل.
واعلم أن هذه الألفاظ المعدولة فيها خلاف، وهل يجوز فيها القياس أم يقتصر فيها على السماع؟ قولان:
وقول الكوفيين وأبي إسحاق: جوازه.
والمسموع [من ذلك] أحد عشر لفظًا: أُحاد، وَمَوْحَد، وثُنَاء، وَمَثْنَى، وَثُلاَثَ، وَمَثْلَث، ورُباع، وَمَرْبَع، ولم يسمع خُماس ومَخْمس، وعَشار ومَعْشَر.
واختلفوا أيضًا في سبب منع الصرف فيها على أربعة مذاهب:
أحدها: مذهب سيبويه، وهو أنها مُنِعَتْ من الصرف للعدلِ والوصفِ أمَّا الوصف فظاهر، وَأَمَّا العدل فلكونها معدولة من صيغة إلى صيغة وذلك أنها معدولة عن عدد مكرر.
فإذا قلت: جاء القوم أحاد أو مَوْحَدَ أو ثُلاثَ أو مَثْلَثَ، كان بمنزلة قولك: جاءوا واحدًا واحدًا وثلاثةً ثَلاثَةً، ولا يُرادُ بالمعدولِ عنه التوكيد، إنما يُرادُ به تكرار العدد لقولهم: علمته الحساب بابًا بابًا.
والثاني: مذهب الفراء، وهو العدل والتعريف بنية الألف واللام ولذلك يمتنع إضافتها عنده لتقدير الألف واللام، وامتنع ظهور الألف واللام عنده لأنها في نِيَّة الإضافة.
الثالث: مذهب أبي إسحاق: وهو عدلها عن عدد مكرر وعدلها عن التأنيث.
والرابع: نَقَلَهُ الأخفش عن بعضهم، أنه تكرار العدل، وذلك أنه عَدَلَ عن لفظ اثنين اثنين، وعن معناه؛ لأنه قد لا يستعمل في موضع تستعمل فيه الأعداد في المعدولة بقوله: جاءني اثنان وثلاثة، ولا تقول: جاءني مَثْنَى وثلاث حتى يتقدم قبله جمع؛ لأن هذا الباب جعل بيانًا لترتيب الفعل، فإذا قلت: جَاءَ الْقَوْمُ مَثْنَى، أَفَادَ أنَّ مجيئهم وقع من اثنين اثنين، بخلاف غير المعدولة، فَإنَّها تفيد الإخبار عن مقدارِ المعدودِ دُونَ غيره؛ فقد بان بما ذكرنا اختلافهما في المعنى فلذلك جاز أن تقوم العِلَّةُ مَقَامَ العلتين لإيجابهما حكمين مختلفين- انتهى.
وقال الزمخشري: إنَّمَا منعت الصرف لما فيها من العَدْلَيْن؛ عدلها من صيغتها، وعدلها عن تكررها، وهن نكرات يُعَرَّفْنَ بلام التعريف، يقال: فلان ينكح المثْنَى والثلاث.
قال أبو حيان: ما ذهب إليه من امتناعها لذلك لا اعلم أحدًا قاله، بل المذهب فيه أربعة ذكرها كما تقدم، وقد يقال: إنَّ هذا هو المذهب الرابع وعبَّر عن العدل في المعنى بعدلها عن تكررها وناقشه أبو حيان أيضًا في مثاله بقوله: ينكح المثنى من وجهين:
أحدهما: دخول أل عليها، قال: وهذا لم يذهب إليه أحد بَلْ لَمْ تُسْتَعْمَلْ في لسان العرب إلاَّ نكرات.
الثاني: أنه أولاها العوامل، ولا تلي العوامل بل يتقدمها شيء يلي العوامل، ولا تقع إلا أخبارًا كقوله عليه السلام: «صلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» أو أحوالًا كهذه الآية الكريمة أو صفات نحو قوله تعالى: {أولي أَجْنِحَةٍ مثنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: 1] وقوله: [الطويل]
ذِئَابٌ تَبَغَّى النَّاسَ مَثْنَى وَمَوْحَدُ

وقد وقعت إضافتها قليلًا كقوله: [الطويل]
بِمَثْنَى الزُّقَاقِ المُتْرَعَاتِ وَبِالجُزُرْ

وقد استدلَّ بعضهم على إيلائها العَوَامل على قِلَّةٍ بقوله: [الوافر]
ضَرَبْتُ خُمَاسَ ضَرْبَةَ عَبْشَمِيٍّ ** أذارُ سُدَاس ألاَّ يَسْتَقِيمَا

ويمكن تأويله على حذف المفعول لفهم المعنى تقديره: ضربتهم خماس.
ومن أحكام هذه الألفاظ ألا تؤنث بالتاءِ، لا تقول: مثناة ولا ثُلاثة بل تَجْرِي على المذكر والمؤنث جَرَيانًا واحدًا.
وقرأ النخعي وابن وثّاب ورُبَعَ من غير ألف، وزاد الزمخشري عن النخعي: وثُلَثَ أيضًا، وغيره عنه ثُنَى مقصورًا من ثُناء حَذَفوا الألف من ذلك كله تحقيقًا، كما حذفها الآخر في قوله: [الرجز]
يريد باردًا وَصلَّيانًا بَرِدَا

قوله: {فَإِنْ خِفْتُمْ} شرط، إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله: {وَلَن تستطيعوا} [النساء: 129] ما أنتج من الدلالة اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوّج غير واحدة، أو يتسرَّى بما ملكت يمينه، ويبقى الفصل بجملة الاعتراض لا فائدة له، بَلْ يكون لغوًا على زعمه.
والجمهور على نصب فواحدة بإضمار فعل أي: فانكحوا واحدة وطؤوا ما ملكت أيمانكم، وإنما قدّرنا ناصبًا آخر لملك اليمين؛ لأن النكاح لا يقع في ملك اليمين، إلا أن يريد به الوطء في هذا، والتزويج في الأول، فيلزم استعمال المشترك في معنيين أو الجمع بين الحقيقة والمجاز، وكلاهما مقول به، وهذا قريب من قوله: [الرجز]
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

وبابه.
وقرأ الحسن وأبو جعفر: فواحدةٌ بالرفع، وفيه ثلاثة أوجه:
أحدها: الرفع بالابتداء، وسوَّغ الابتداء بالنكرة اعتمادها على فاء الجزاء، والخبر محذوف أي: فواحدة كافية.
الثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف أي فالمقنع واحدة.
الثالث: أنه فاعل بفعل مقدّر أي: يكفي واحدة.
وأو على بابها من كونها للإباحة أو التخيير. و{ما ملكت} كهي في قوله: {مَا طَابَ} فإن قيل: المالك هو نفسه لا يمينه، فلِمَ أضاف المِلْك لليمين فالجواب لأنها محل المحاسن، وبها تُتَلَقَّى رايات المجد.
وروي عن أبي عمرو: فما ملكت أيمانكم، والمعنى: إن لم يعدل في عِشْرَةِ واحدة فما ملكت يمينه.
وقرأ ابن أبي عبلة {أو من ملكت أيمانكم}.
ومعنى الآية: إن خفتم ألا تعدلوا بين هذه الأعداد كما خفتم ترك العدل فيما فوقها فاكتفوا بزوجة واحدة، أو بالمملوكة.
قوله: {ذلك أدنى} مبتدأ وخبر، و{ذلك} إشارة إلى اختيار الواحدة أو التسرِّي.
و{أدنى} أفعل تفضيل من دنا يدنو أي: قرُب إلى عدم العول.
قال أبو العباس المقرئ: ورد لفظ أدنى في القرآن على وجهين:
الأول: بمعنى أحرى قال تعالى: {ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ}.
والثاني: بمعنى دون قال تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أدنى بالذي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] يعني الرديء بالجيد.
قوله تعالى: {أَلاَّ تَعُولُواْ} في محل نصب أو جرٍّ على الخلاف المشهور في أن بعد حذف حرف الجر، وفي ذلك الحرف المحذوف ثلاثة أوجه:
أحدها: إلى أي: أدنى إلى ألا تعولوا.
والثاني: اللام والتقدير: أدنى لئلا تعولوا.
والثالث: وقدّره الزمخشريُّ من ألا تميلوا؛ لأن أفعل التفضيل يجري مجرى فعله، فما تعدى به فعله تعدى هو به، وأدنى من دنا ودنا يتعدى بإلى واللام، ومن تقول: دنوت إليه، وله، ومنه.
وقرأ الجمهور: {تعولوا} من عال يعول إذا مال وجار، والمصدر العول والعيالة، وعال الحاكم أي: جار.
حكي أن أعرابيًا حكم عليه حاكم فقال له: أتعول عليَّ.
وقال أبو طالب في النبي عليه السلام [الطويل]
لَهُ حَاكِمٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ

وروي عن عائشة- رضي الله عنها- مرفوعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {ذلك أدنى أَلاَّ تَعُولُواْ} [النساء: 3] قال: {لاَ تَجُورُوا}.